كان الوقت متأخرًا، والحديقة شبه خالية من الناس. جلس كريم على المقعد الخشبي الذي تعوّد الجلوس عليه منذ سنوات، في انتظار صديقه المقرب علي. كان الموعد بينهما معتادًا، كل مساء ثلاثاء يتبادلان الأحاديث ويستمتعان بوقتهما في أجواء هادئة. ولكن هذه الليلة كانت مختلفة، لأن عليًّا توفي قبل أسبوعين في حادث مروّع. كيف يمكن أن يلتقي كريم بصديقه اليوم؟ هل كان يتوهم، أم أن هنالك شيئًا غامضًا يحدث؟ في هذا المقال، سنروي تفاصيل القصة التي هزّت الجميع وطرحت الكثير من الأسئلة التي لم يُجَب عنها حتى اليوم.
القصة تبدأ: لقاؤهما في الحديقة
في ذلك المساء البارد، وصل كريم إلى الحديقة متأخرًا. وبينما كان يجلس وينتظر، لمح شخصًا يتقدم نحوه من بعيد. لم يصدّق عينيه في البداية، لكنه عندما اقترب الرجل، شعر بقشعريرة تجتاح جسده. كان علي، صديقه القديم، يمشي بنفس الخطى المألوفة، يرتدي نفس السترة الجلدية التي يحبها، ويبتسم بنفس الابتسامة الهادئة. وقف كريم، وتقدم نحوه مترددًا، وعندما أصبح على بعد أمتار قليلة، لم يستطع التحدث، فقط حدق به. قال علي بهدوء: "لماذا تأخرت؟ ظننت أنك نسيت الموعد!"
شعر كريم وكأن الأرض انشقت تحت قدميه. لم يستطع أن ينطق بكلمة. كيف يمكن أن يكون علي هنا؟ ألم يحضر جنازته بنفسه؟ ألم يودعه ويبكي لفقدانه؟ كيف يمكن أن يكون واقفًا أمامه، حيًا، يتحدث وكأن شيئًا لم يحدث؟ جلسا على المقعد كعادتهما، لكن كل شيء كان يبدو غير طبيعي. كانت كلمات عليّ تبدو واقعية، لكنه كان يتجنب الحديث عن أي شيء يتعلق بموته. كان كريم يحاول أن يطرح عليه الأسئلة، لكنه كان يجد نفسه عاجزًا عن النطق.
استعادة الذكريات: الصداقة القديمة
كانت صداقة كريم وعلي تمتد لسنوات طويلة. التقيا في المدرسة الابتدائية، ونمت بينهما علاقة قوية لا يمكن أن يكسرها شيء. كانا يشتركان في كل شيء: اللعب، الدراسة، وحتى الأحلام المستقبلية. لكن تلك الحادثة التي أودت بحياة علي غيرت كل شيء. كانت ليلة مظلمة، والطريق كان زلقًا. قاد علي سيارته بسرعة كبيرة عندما فقد السيطرة، لتنقلب السيارة عدة مرات قبل أن تتوقف. عندما وصلت الشرطة، كان جسده بلا حياة.
جاء الخبر كالصاعقة على كريم. لم يستطع تقبل الواقع في البداية، لكنه اضطر للمضي قدمًا بعد مرور الأيام. لذلك، رؤيته لعلي جالسًا أمامه، يتحدث معه كما كانا يفعلان دائمًا، جعلت دماغه يتوقف عن الفهم. هل كان هذا شبح صديقه، أم أنه يعيش حلمًا لم يستطع الاستيقاظ منه؟
الحديث الغامض: الرسالة التي لم تُفهم
تحدثا لساعة كاملة، أو ربما كانت دقائق، كريم لم يكن يدرك الوقت. كان علي يتحدث عن الذكريات، عن المستقبل، وعن أشياء غريبة لم تكن تبدو منطقية. قال له: "أعلم أنك ستواجه صعوبات قريبًا، لكنني هنا. فقط تذكر ما قلته لك." كان كريم يريد أن يسأله: "كيف تكون هنا؟ ألم تمت؟" لكنه لم يستطع. وكأن قوة خفية كانت تمنعه من قول ما يريد. كل ما استطاع فعله هو الاستماع.
عندما انتهى علي من حديثه، وقف فجأة وقال: "يجب أن أذهب الآن، ولكنني سأراك مجددًا." ثم استدار واختفى بين الأشجار. حاول كريم اللحاق به، لكنه لم يجد أي أثر له. كانت الحديقة فارغة، وكأن علي لم يكن موجودًا أبدًا.
الصدمة: التأكد من الحقيقة
عند عودته إلى المنزل، قرر كريم التحقق مرة أخرى من حقيقة وفاة صديقه. اتصل ببعض الأصدقاء، وتحدث مع عائلة علي. الجميع أكدوا نفس الشيء: علي توفي في الحادث، وجسده دُفن قبل أسبوعين. حتى صور الجنازة كانت موجودة. كيف يمكن أن يرى شخصًا مات ودفن؟ هل كان هذا مجرد وهم، أم أن هناك أمرًا أكثر غموضًا يحدث؟
لقاءات متكررة: ماذا يريد علي؟
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. بدأ كريم يرى علي بشكل متكرر في أماكن مختلفة: مرة في المقهى الذي كانا يرتادانه، ومرة أخرى في الحي الذي يعيشان فيه. كان علي يظهر بشكل غير متوقع، يبتسم له، ثم يختفي بسرعة. في كل مرة كان كريم يحاول الاقتراب منه، لكنه كان يختفي كما لو أنه طيف. بدأ كريم يشعر بالجنون. هل فقد عقله؟ هل كانت هذه طريقة علي ليودعه أم أن هنالك رسالة خفية يحاول إيصالها؟
البحث عن تفسير: اللجوء إلى المختصين
شعر كريم بأنه لن يستطيع العيش بسلام إلا إذا فهم ما يحدث. لجأ إلى مختصين نفسيين، وأخبرهم بما يراه. البعض قال إنها مجرد هلاوس نتيجة الصدمة، بينما أشار آخرون إلى إمكانية وجود "أرواح تائهة" تبحث عن السلام. لم يقتنع بأي من هذه التفسيرات. كان علي يبدو حقيقيًا جدًا. يمكنه أن يشعر بوجوده، برائحته، وحتى بحرارة جسده.
الحل: لقاء أخير
بعد أسابيع من القلق والارتباك، قرر كريم أن يذهب إلى المكان الذي التقيا فيه لأول مرة، الحديقة القديمة. انتظر هناك لساعات، وفجأة، ظهر علي من جديد. هذه المرة، كان مختلفًا. بدا عليه الحزن. اقترب من كريم وقال: "أنا آسف لجعلك تعاني. لم أكن أعرف أن وجودي سيؤذيك. كنت فقط أريد أن أطمئن عليك." ثم اقترب منه أكثر وهمس: "الآن، عليك أن تمضي قدمًا. وداعًا يا صديقي."
ثم، كما ظهر، اختفى. شعر كريم بدموع ساخنة تنساب على خديه. لأول مرة، شعر بالسلام. كان هذا وداعًا حقيقيًا.
الخاتمة: لغز بلا إجابة
مرت أشهر على اللقاء الأخير، وكريم لم يرَ علي منذ ذلك الحين. هل كان هذا حقيقيًا، أم مجرد وهم؟ لا أحد يعرف الإجابة. البعض يقول إنها مجرد هلوسات سببها الحزن، بينما يعتقد آخرون أن علي عاد من العالم الآخر ليودّع صديقه. مهما كانت الحقيقة، يبقى السؤال الأهم: هل الأرواح يمكن أن تعود حقًا لتخبرنا أنها بخير؟ أم أننا نحن من نتمسك بهم؟
إرسال تعليق