كانت ليلة شتاء باردة في مدينة الكاف، حيث كان الرياح تعصف بين المباني، والشوارع خالية تماماً. كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، بينما كان العم الهادي، سائق التاكسي العجوز والمتمرس، يقود سيارته ببطء على طول الشارع الرئيسي، على أمل الحصول على آخر زبون قبل أن يعود إلى منزله. في تلك الليلة، كان البرد قارساً، وكانت أضواء الشوارع تلقي بظلال طويلة ومخيفة على الطريق.
عندما مر الهادي أمام المستشفى الجهوي بالكاف، لمح فتاة شابة تقف على جانب الطريق، ترتدي ملابس خفيفة لا تناسب برودة تلك الليلة. أشارت له بيدها، فقام بتوقيف التاكسي بجانبها. فتحت الباب ودخلت بسرعة إلى السيارة، وكانت تبدو شاحبة ومرتعشة.
– " خذني إلى شارع الياسمين، من فضلك "، همست بصوت خافت بالكاد سمعه، وهي تحاول تدفئة نفسها بضم ذراعيها حول جسدها.
خلال الرحلة، حاول الهادي الحديث معها، لكنه لم يتلقَ أي رد. كانت تحدق بصمت في النافذة، وكان صمتها ثقيلاً وغامضاً، مما جعل الجو في السيارة أكثر برودة من الخارج.
عندما وصلوا إلى وجهتهم، أمام منزل حجري قديم، نزلت الفتاة بسرعة وقالت:
– " انتظرني هنا، سأعود لأعطيك الأجرة. "
شعرت الفتاة بالبرد الشديد لدرجة أن الهادي، بشهامته، أعطاها معطفه الصوفي القديم لحمايتها من البرد، طالباً منها فقط إعادته عندما تعود لدفع الأجرة.
انتظر الهادي طويلاً، مرّت نصف ساعة ولم تعد. شعر بالقلق، فترجل من السيارة واتجه نحو المنزل ليطرق الباب. بعد لحظات، فتحت له امرأة عجوز، ملامح وجهها مليئة بالحزن.
– "مساء الخير يا سيدتي، فتاة شابة طلبت مني توصيلها إلى هنا، وطلبت مني الانتظار لأخذ أجرتي، لكنها لم تعد بعد،" قال الهادي محاولاً شرح الموقف.
ابتسمت العجوز بهدوء، وقالت بنبرة هادئة، لكن غامضة:
– "لا أحد يسكن معي هنا، أنا أعيش وحدي، وزوجي توفي منذ سنوات... أما ابنتي، فقد توفيت غرقاً منذ خمس سنوات في طبرقة."
توقف قلب الهادي للحظة، شعر بالبرودة تتسلل إلى عروقه، لم يصدق ما سمع.
– "هذا مستحيل... الفتاة التي رأيتها قبل قليل كانت حية! لقد أوصلتها إلى هنا وكانت ترتدي معطفي!"
دعوته العجوز إلى الدخول كي تثبت له الحقيقة. عندما دخل الهادي إلى المنزل، تفاجأ برؤية صورة الفتاة معلقة على الحائط. كانت هي نفسها الفتاة التي أقلها منذ قليل. هنا، أيقن الهادي أن ما حدث كان أبعد من الواقع.
أقرأ المزيد:
إرسال تعليق